(صلي على الحبيب قلبك يطيب)
حكايات لا يعرفها احد
ثلاثة ايتام معاقين وفقراء في مخيم الحسين يعانون حياة قاسية وبحاجة الى بيت والى من يكفلهم
كتب : ماهر ابو طير
هذه المرة..
هذه المرة نذهب الى بيت من بيوت الايتام ، في مخيم الحسين ، بيت من بيوت الايتام ، حين يعاني ثلاثة ايتام من الفقر والاعاقة ايضا ، حالة لايعلم بها الا الله ، حالة صعبة ومؤلمة جدا ، ابكتني وابكت من معي ، في تلك اللحظات ماقبيل الافطار ، حتى امهم بكت ، وجدتهم بكت حين اشار الطفل اليتيم الصغير المعاق ، بيده لي ولنا ، وكأنه يرحب بنا ، وهو في عالم اخر ، عالم من النور ، لايعرف ماالذي يحصل حوله.
هذه المرة..
هذه المرة..
هذه المرة..سرق الايتام قلبي ، سرقوه ، في تلك اللحظات ، حين دخلت بيتهم ، في مخيم الحسين ، وشاهدت مالايمكن احتماله ، رحل والدهم منذ اربعة شهور ، فقط ، مشهد تقشعر له الابدان ، تبكي معك السماء ، حتى كأن دمعها ، هو قطر الشتاء ، تدخل بيتا ، فتحزن لاجله بشده..وجوه الايتام المعاقين الفقراء ، جمعوا الفقر واليتم والمرض...ياالله..ياالله..هذا ثقل لاتحمله الجبال ، ولاتتحمله اعناق الرجال ، مشهد الايتام المساكين ، وهم يتكومون في غرفة بائسة ، وجوههم ملائكية..وجوههم الجميلة يمتد ضياؤها الى قلبك..حتى اليتيم الصغير المعاق والمدعو سامر..يبتسم فقط..يبتسم فقط..يواصل الابتسام وعمره ست سنوات ، لايعرف مابحاله ولايعرف يتمه ولامرضه ولافقره..هو في عالم اخر..عالم الملائكة والطهر والنور...سامر هذا مددت يدي الى رأسه..مسحت على شعره..ابتسم مثل ملاك...ابتسم..هو احسن مني..هو افضل ، هو قرير العين..ابتسم ابتسامة ساحرة ، حتى قتلني ، حتى فتت قلبي..يتيم بريء ومريض وفقير..في مخيم الحسين..لايمشي ولايسير ، ينام على ظهره طوال يومه ، واخوه الاخر واخته تجلس في زاوية من زوايا الغرفة...حرقني قلبي ، مثلما لم ار فى حياتي...هل تعرفون ماذا يدور حولنا؟هل تعرفون ماذا خلف تلك البوابات المغلقة ، هل تعرفون ماذا تحت السقفوف الحزينة...لاتعرفون لاتعرفون ، ولو كنا نعرف لما تمتع احدنا بشربة ماء ، ولابيوم ، ولو نعرف لما نمنا ، وقد عدت يومها من عند الايتام المعاقين الثلاث ، ولم انم حتى السادسة صباحا ، وضحكات الطفل اليتيم الصغير تدوي في قلبي ، تطرقه بعنف..ضحكات..ضحكات كأنها من السماء ، ضحكات ، وغيرنا هو الشقي حقا ، الشقي هو من ترك هؤلاء ، من كان قادرا ، ولم يساعدهم ، ولم يكفلهم ، الشقي هو القادر على تأمين بيت لهم ، او شراء بيت لهم ، لاخراجهم من حالهم هذا ، الشقي هو من امتلك مالا في رمضان ، ولم يغيث هؤلاء بكفالة اوبدعم او بأي مساعدة...اعانها الله تلك الام العظيمة على هذا الحال ، اعانها الله ، وقواها حقا..تلك هي الامهات..الامهات وحدهن تاج الرأس ، الامهات وحدهن قلبنا وسرنا وحياتنا ، واي حياة تلك هي بلا ام ، اي حياة ، تكون صعبة ومستحيلة وقاسية على كل الاحوال.
لم اذهب هذه المرة عند موعد الافطار ، فخلال يوم الصوم ، كنت في معان والكرك ، وزرت حالات ، لايمكن وصفها الا بالكارثية في تلك المنطقة ، ولها عودة لاحقة بأذن الله ، مما اضطرني الى الافطار في القطرانة ، عند عودتنا من جنوب المملكة وقد رايت بيوت قرب سكة حديد معان ، تجعلك تفقد عقلك حول حال الناس في الجنوب ، وعدت يومها الى منزلي ، بعد الافطار ، وبعد العشاء بقليل ، ذهبنا الى مخيم الحسين لوجود مواعيد مؤجلة ، مثل هذا الموعد الذي اجلته ثلاثة ايام ، بسبب ضغط العمل ، اقتربنا من المخيم..طرقات المخيم حكاية بحد ذاتها ، طرقات تروي حكايات من مروا من هنا ، حكايات تروي الذين عبروا من هنا ، تشهد على انين المتعبين..ألم الفقراء والمحتاجين..طرقات ودروب ، تحكيك وتروي لك ان قلوب من هنا ، مازالت تضيء ، دروبا غير ممهدة ، وطرقات سال فيها الماء ، ويبدو على وجوه بعض السكان الفقر الشديد ، حين تكون الاف العائلات في مخيم الحسين عائلات فقيرة وتتلقى مساعدات من الدولة ومن اهل الخير ، غير ان المساعدات لاتكفي لاطفاء نار الفقر ، ربما تخفف من النار ، غير انها لاتطفئ النار ابدا.
عبر الطرقات ، وصلنا الى مدخل البيت ، طرقناه اطلت علينا سيدة عجوز ، كانت جدتهم ، سمحت لنا بالدخول ، دخلنا الى داخل المنزل ، وفي غرفة واحدة نام الايتام الثلاثة ، كانوا مستيقظين ، كل واحد جلس في زاوية ، لاانسى في حياتي ابدا ، مشهد الطفل الصغير ذي الوجه الجميل..وهو يلوح لي بيده ، ربما شعرت انها اكبر جائزة في حياتي ، ربما شعرت انه لسان السماء ، فهو طاهر وبريء وغائب عنا ، وهو يبتسم لي ويلوح بيمينه ، حتى نزلت الى جانبه ، قبلت رأسه مسحت على رأسه ، حتى كأنه خطفني الى عالم اخر ، والله كدت ان اقول له ....`خذني معك الى عالم اخر ، خذني معك الى حيث ترتاح الروح ولاتشرب كل هذا التعب والشقاء اليومي ، كدت ان اعتذر للصغير عن هذه القسوة في حياتنا ، ولم اعرف ماذا اقول للسيدة ام الاطفال التي كانت محرجة بشدة من زيارتنا ، لانها لاتريد مس اطفالها ، فأعتذرت لها ، الف مرة ، وبكيت على الصغير..حتى جدته بكت والمصور بكى ومن دلنا على الحالة بكى....يالله..اي اختبار هو هذا ، واي حياة نعيشها ، حين يكون حولنا ثلاثة ايتام عاجزين ومعاقين وفقراء ، ولانعرف عنهم ، لانعرف كل مساء حين نجلس الى اولادنا عند الافطار ، لانعرف عن غيرنا ، وكم واحد منا قادر على شراء شقة للايتام او بيت..كم واحد منا قادر على تكريم ايتام ثلاثة وكفالتهم في الليالي الاخيرة من رمضان ، ثلث العتق من النار ، كم واحد منا قادر على رسم البسمة على شفاههم ، كم واحد منا قادر على التنازل لاجل وجه الله عز وجل ، عن قليل من ماله ، عبر تأمين مسكن لهؤلاء ، الا..يستحق هؤلاء مسكنا جيدا ، الا يستحق هؤلاء عيشا كريما..الا يستحق هؤلاء مساعدة بغير اسلوب كراتين الارز والسكر وعلب السمنة وزيت القلي ، والعائلة تتلقى مساعدة من التنمية الاجتماعية ، لكنها مساعدة لاتكفي امام وضع الاطفال...وحين حدقت في عيني البنت..حدقت بصبر وهدوء وكانت صامتة كمثل زمن مر..كمثل لحظة مرت..صامتة..تجلد روح تقتلك ، حتى انني تمنيت لحظتها ، ان اجلب العالم واضعه بين يديها ، ان اعتذر لها ولاخيها عن كل هذه الدنيا ، وعن كل هذا التعب....ثلاثة ايتام فقراء معاقين ، لم تكفهم الاعاقات حتى لحقهم الفقر واليتم مؤخرا..وهو مشهد محزن ومؤسف ، مشهد اضعه بين ايديكم في الايام الاخيرة من شهر رمضان ، في الليالي الاخيرة من رمضان ، لاسأل....الا يستحقون بيتا ملكا لهم ، اين هي المبادرات الرسمية ، واين هم الاثرياء واهل الخير والاغنياء ، الا يستحق هؤلاء مالا ورعاية وعطفا ورزقا حسنا وعيدا يخفف عنهم ماهم فيه ، حتى لو لم يدركوا انهم في عيد او رمضان ، الا يستحق هؤلاء كفالات حقيقية ..اليس عليكم واجب ولو مساعدتهم بلباس العيد ، ولو بعلبة حلوى..هل ينتظر الواحد منا مليونا من الدنانير حتى يتصرف وحتى يؤدي حق الله ، وحق الله يعرفه الله في قليل مالك ، وليس في كثيره ، حتى يخرج البخل من قلوبكم ونتخلص من عقدة "اليد قصيرة والعين بصيرة"وهي حجة العاجزين ، فلو اخرج المرء خمسة دنانير او عشرة دنانير من ماله شهريا لاي محتاج او يتيم في منطقته او قريته او في بادية او مدينة او مخيم ، لعم الخير ، لكننا نتخاذل تحت مبررات مختلفة ، ونترك رمضان ، وقد خرجنا منه بأقل الحسنات...نحن في ثلث العتق من النار..ثلث الايام الطاهرة المباركة المنيرة..ثلث الاستجابات ، اغاثتك لهؤلاء قد تشفي ابنك المريض قد تشفي ابنتك المريضة قد تفك عقدتك في بيتك او في رزقك او انجابك قد ترد عنك شرا قد تمحو كل ذنوبك اولها واخرها ، فلاتستكثر العفو على الله..عليك ان تبادر الى مد يد الدعم للناس في هذا البلد ، بدون همم الفقراء والمحتاجين ونصرتهم ، والتخفيف عن كل محتاج لاحياة لك ولامذاق لحياتك..تموت وتترك مالك نهشا لمن خلفك ينفقونه في فنادق عمان ، والاولى ان تنفق منه لوجه الله..فقد يبني الله لك بيتا في الجنة..قصرا في الجنة...ومازلنا نسمع في المملكة عن وجود اربعة الاف يتيم بحاجة الى كفالة لدى احدى الجمعيات ، والاف الايتام الذين لايجدون من يعلمهم ، وننسى برغم كل هذا ان الرسول كان يتيما ، وان الله اوصى على اليتيم.
تركتهم وانا يائس جدا وحزين ، غادرتهم واليتيم الصغير المعاق البريء يبتسم لي كانه ملاك..غادرتهم وانا اعتذر لهم ، الف الف مرة تاركا حكايتهم امانة بين يدي اصحاب الخير واهل الشرف والمروؤة بين جند الله الكرماء بين من بيده خير ، عند من هو قادر على مساعدتهم وايصال مظلمتهم والعطف عليهم ، ويمكن الاتصال بأم الايتام عبر موبايل موقت مع رقمه 0796523874وهي امانة اضعها في اعناقكم في الايام الاخيرة من رمضان ، وسط ليالي القدر حيث عين الله لاتنام.
اللهم اشهد اني قد بلغت.